الشغف والاستمرارية والإرشاد

حوارات صحفية

رحلة الشيف دراجان الطهوية

بخبرة تزيد عن 40 عامًا في قطاع الضيافة على مستوى العالم، يُعد الشيف دراجان يونيك مثالًا يُحتذى به في التميز والريادة في فن الطهي. تميزت مسيرته المهنية بشغف عميق بالطعام، حيث شغل مناصب متعددة كشيف وقائدٍ في مطاعم راقية وفنادق فاخرة، وفي عمليات كترينج واسعة النطاق. يشتهر الشيف دراجان بقدرته على التوفيق بين مهام متعددة، ويحرص على الجمع بين جميع تفاصيل المشروع بدقة لتقديم نتائج استثنائية تُرضي الزبائن والزملاء على حد سواء.

لقد ازدهرت مسيرة الشيف دراجان في عالم الطهي من خلال قيام نخبة من أفضل الشيفات في هذا المجال بإرشاده، مما غرس فيه الإيمان بأن القيادة الحقيقية تكمن في التواصل الفعّال والتفاهم. وهو يُشدد على أهمية توجيه فريقه نحو حلول تعود بالنفع على الجميع، دائمًا واضعًا في اعتباره أن “التفاصيل الصغيرة تصنع الفارق”.

وخلال مسيرته المهنية الطويلة في السويد، شغل منصب الشيف التنفيذي في العديد من الفنادق المرموقة بين عامي ١٩٨٩ و٢٠١٨. كما شغل منصب الشيف التنفيذي ومدير الإنتاج في شركة LSG Sky Chefs في القاهرة، مصر. وامتد تأثيره إلى ما هو أبعد من المطبخ، حيث أصبح عضوًا في مجلس إدارة جمعية الطهاة السويدية. ورغبةً منه في الارتقاء بقطاع الضيافة، أسس شركة UnicTaste، وهي شركة استشارية تدعم المطاعم والفنادق في مجالات مثل المبيعات والتعليم والموارد البشرية.

يشغل الشيف دراجان حاليًا منصب الشيف التنفيذي ومدير الإنتاج في شركة LSG Sky Chefs في نيروبي، كينيا، حيث يواصل الارتقاء بمستوى التميز في فنون الطهي. ويتجلى التزامه المهني أيضًا من خلال شغله منصب المدير القاري لمنظمة “وورلد شفس” لأوروبا الشمالية، حيث أشرف على مشاركة 15 دولة ضمن هذه المنظمة العالمية المرموقة.

إلى جانب إنجازاته المهنية، يحرص الشيف دراجان على مشاركة خبراته ورعاية الجيل القادم من المواهب الطهوية. وقد شارك بفعالية في تدريب الشيفات المصريين للمسابقات الدولية، مساهمًا في رسم ملامح مستقبل فنون الطهي على الساحة العالمية.

أجرت الحوار: أمل بسالي

بخبرة تزيد عن 40 عامًا في قطاع الضيافة الفاخرة، ما هي أهم الدروس التي تعلمتها عن القيادة في المطبخ؟ وما هي المبادئ الأساسية التي لا تزال تُرشدك في عملك؟

من أهم الدروس التي تعلمتها أنه لا يُمكن تحقيق أي شيء بمفردك. النجاح في المطبخ يُبنى على قوة الفريق الذي يدعمك. إن تطوير ودعم فريقك أمرٌ بالغ الأهمية لتحقيق نجاح دائم.

إنه مبدأ بسيط للغاية، ولكنه كان بمثابة دليل لي طوال مسيرتي المهنية.

كيف أثّرت تجربتك كمدير قاري لمنظمة وورلد شفس عن شمال أوروبا على نهجك في القيادة والإدارة في مجال الطهي؟

كان شغلي منصب المدير القاري لمنظمة وورلد شفس عن شمال أوروبا شرفًا عظيمًا. فقد أتاحت لي فرصة العمل مع شيفات من خلفيات متنوعة في المملكة المتحدة، وأذربيجان، وأوكرانيا، وروسيا، ودول البلطيق، وغيرها.

كانت قيادة هذه المجموعة الواسعة من الأفراد الموهوبين ذوي التقاليد الطهوية المتنوعة تحديًا وشرفًا في آنٍ واحد. لقد كانت مهمةً استمرت أربع سنوات، وقد أثرت بالفعل منظوري فيما يتعلق بالقيادة والإدارة.

كيف توازنون في شركة LSG Sky Chefs بين متطلبات الإنتاج الضخم، والحفاظ على الجودة والإبداع المرتبطين بتجربة الطعام الفاخر؟

ليس الأمر سهلاً على الإطلاق. تختلف المتطلبات اختلافًا كبيرًا، لكننا نبذل قصارى جهدنا لتحقيق التوازن. نركّز على اختيار المنتجات المناسبة التي تلبي احتياجات عملائنا المتنوعة، وتتوافق مع متطلباتهم الخاصة.

ننتج حوالي ١٥,٠٠٠ وجبة يوميًا، وهو حجم كبير. بالطبع، يرافق ذلك العديد من التحديات – لا سيما هنا في مصر، حيث قد يكون الحصول على المكونات المناسبة أمرًا صعبًا.

بصفتك شخصًا منخرطًا بعمق في تدريب وتوجيه الشيفات الشباب، ما هي في رأيك أهم المهارات والصفات التي يجب على الجيل القادم من الشيفات تطويرها؟

أقمتُ في مصر قرابة عامين، وبعد حضوري معرض HACE ٢٠٢٣ ، ومرة ​​أخرى العام الماضي، ألمس تقدمًا ملموسًا. لقد تحسن مستوى التطور لدى الطهاة الشباب المصريين بشكل واضح، وهذا ليس مفاجئًا، نظرًا لكثرة المواهب هنا.

مع ذلك، من التحديات التي أراها أن الجيل الأكبر سنًا لا يشارك دائمًا خبراته بالقدر الذي ينبغي. لذلك، من الضروري للشيفات الشباب إيجاد مرشدين يمكنهم الوثوق بهم والتعلّم منهم.

الإرشاد والتوجيه هو كل شيء عندما يتعلق الأمر بالنمو الشخصي والمهني ، وخاصةً في المراحل الأولى من المسيرة المهنية في مجال الطهي.

هل هذه مشكلة في مصر حاليًا؟

أقول نعم، هناك بعض التحديات فيما يتعلق بالإرشاد والتوجيه هنا.

من خلال شركتكم الاستشارية “يونيك تيست”، اسمٌ رائعٌ بالمناسبة، ما هي بعض التحديات الشائعة التي ساعدتم المطاعم والفنادق على التغلب عليها، وكيف تتعاملون مع هذه المشكلات ؟

لقد أسست UnicTaste منذ سنوات عديدة، ولا تزال مستمرة بقوة – خاصةً بعد تحديات جائحة كوفيد-19. أقدم خدمات استشارية في جميع أنحاء العالم، وليس فقط في السويد، وأعمل في كلٍّ من أقسام الخدمة الأمامية مثل الاستقبال وحتى أقسام الطهي والضيافة.

من أكبر التحديات اليوم، خاصةً بعد جائحة كوفيد، أن العديد من الأشخاص الموهوبين قد غادروا قطاعنا. لقد غيّروا مهنهم، وتركوا قطاع الضيافة تمامًا. لذا، فإن جزءًا كبيرًا من العمل الآن يتمحور حول رعاية الجيل القادم وإقناع الناس بأن هذه المهنة لا تزال جميلة ومُجزية.

نعم، قد يكون الأمر مُرهقًا – لكنها أسلوب حياة. بمجرد أن تختبر جمال وروح الزمالة والفخر التي تأتي مع ارتداء جاكيت الشيف الأبيض، ستبقى في هذا المجال مدى الحياة. لقد عملت في هذا المجال لأكثر من 45 عامًا، لذا أعرف ذلك جيدًا.

ما هي نصيحتك للشيفات الطموحين الراغبين في العمل في مجال الضيافة الفاخرة أو خدمات تقديم الكترينج الواسعة النطاق ؟

سواء اخترتَ مجال الضيافة الفاخرة أو خدمات تقديم الكترينج على نطاق واسع أو أي مجال آخر، فإن نصيحتي هي أن تدرك أن الحياة – ومسيرتك المهنية – ستتغير وتتطور.

عندما تكون شابًا، تكون لديك الطاقة للسعي وراء العمل في المطاعم الفاخرة ودفع نفسك نحو آفاق جديدة. ثم تأتي الحياة – تجد شريكًا، تتزوج، تُرزق بأطفال – وتتغير أولوياتك. قد تحتاج إلى التراجع قليلًا في فترة ما. لاحقًا، عندما يكبر أطفالك، يمكنك أن تطمح إلى مستوى أعلى مرة أخرى.

إنها دورة طبيعية، ويجب أن تتطور مسيرتك المهنية معها. لا أحد يستطيع البقاء في قمة مجال الطهي الفاخر إلى الأبد –  وبصراحة، سيكون الأمر مملاً لو فعل. من أفضل ما يميز مهنتنا هي مرونتها. يمكنك تغيير مسارك، وتجربة أشياء جديدة، ولن تشعر بالملل أبداً.

نصيحتي هي: لا تندم على هذه التغييرات. تقبلها. وتطور معها.

على سبيل المثال، عندما كنت أصغر سناً، لم أكن لأفكر أبداً في العمل في مجال تموين شركات الطيران – كنت أعتقد أنه سيكون روتيناً بالنسبة لي أكثر مما أطيق. كانت لدي أهداف وتوقعات مختلفة. لكن الآن، أعشق هذا المجال. أزدهر وسط حجم العمل، وسرعته، وديناميكيته في مجال الكترينج بكميات كبيرة.

إنه نوع مختلف من التحدي – وهو مُجزٍ بنفس القدر.

ما هي تطلعاتك المستقبلية لمسيرتك المهنية ولقطاع الطهي ككل؟ هل هناك أي مشاريع أو مبادرات جديدة تثير حماسك بشكل خاص؟

لديّ الكثير من الخطط، فأنا أضع خططًا جديدة كل يوم لأني لا أستسلم أبدًا.

أحد أهدافي الرئيسية حاليًا هو المساهمة في تطوير قطاع تموين شركات الطيران، لا سيما من خلال التركيز على تحقيق مستوى عالٍ من الثبات في الجودة. فثبات مستوى الجودة هو أمر بالغ الأهمية لنجاح أي عمل تجاري، وهو إنجاز الأمور بالطريقة الصحيحة يوميًا، دون استثناء.

كما أن لدي شغفًا كبيرًا بالتعليم.. هنا في مصر، يوجد العديد من الموهوبين الراغبين في التعلم، ولكن لا توجد فرص كافية وممنهجة للحصول على تعليم طهوي مناسب. ومع ازدهار قطاع السياحة وافتتاح العديد من الفنادق الجديدة، هناك حاجة ماسة لمزيد من الكوادر المدربة.

في الوقت الراهن، تلجأ الشركات إلى استقطاب الموظفين من بعضها البعض باستمرار، ببساطة لأنه لا يوجد عدد كافٍ من الكفاءات المؤهلة — وهذا أمر غير مستدام على المدى الطويل. أتمنى أن تتدخل الحكومة وتساعد في تطوير برامج تعليمية وتدريبية قوية ومهنية لدعم مستقبل قطاع الضيافة في مصر.

بعد عقود من العمل في أعلى مستويات عالم الطهي، ما الذي لا يزال يُحفّزك ويدفعك للاستمرار كل يوم؟

بالنسبة لي، هذه المهنة أكثر من مجرد وظيفة، إنها أسلوب حياة. إنها هوايتي، وأمارسها يوميًا.

أنا محظوظ لأنني أتقاضى أجرًا مقابل القيام بما أحب. هذا الشغف رافقني لأكثر من أربعة عقود.

ما يُحفّزني حقًا هو الشعور بالانتماء للمجتمع – من خلال حضور المعارض مثل معرض هيس، والتواصل مجددًا مع أصدقاء قدامى مثل شيف جيمس من جنوب أفريقيا، ومقابلة العديد من الشيفات المصريين الشباب الموهوبين.

من المُلهم رؤية الجيل القادم مُتحمسًا للتعلم والنمو. إن مُشاهدة تطورهم، والمشاركة في رحلتهم، تُشكّل حافزًا كبيرًا لي. إنها من أكثر الجوانب المُجزية والتي أعتز بها في مسيرتي المهنية.

شكرًا لك، شيف دراجان. نحن فخورون بك ونعتبرها فرصة عظيمة أن نحاورك.

Please wait...

Thank you!

Please wait...

شكرا!!